ولادة غريبة

يخيل لي أن بعض الأشياء الغريبة لا تحصل إلا لي...
حدث ذلك في شهر أبريل من سنة 1999...
كان جاري الفوقي رجلا "إخوانيا"، لم يكن يسلم علي أو يرد علي السلام بمثله كلما التقينا مصادفة في السلالم. ولما فشلت في حمله على الكلام، صرنا نلتقي كما تلتقي شاحنتان على الطريق السيار، كلانا ينظر أمامه ولا يرفع بصره إلى الآخر.
وذات مساء، سمعت طرقا على الباب، ولما فتحت، فوجئت وأنا أراه منتصبا أمامي بقامته المديدة ولحيته الطويلة. سلم علي هذه المرة بأدب وقال:
ـ زوجتي حامل وقد اقترب أجل وضعها، ومهنتي تحتم علي أن أتغيب عن البيت كثيرا، فهل أعول عليك أن تنقلها إلى المستشفى في حالة ما إذا صادفها المخاض وأنا عنها غائب؟
في الأسبوع الموالي، وبينما أنا أشاهد على التلفزيون برنامجا شيقا مع والدتي وزوجتي الحامل في شهرها التاسع، إذا بهذه الأخيرة تضع كلتا يديها على بطنها بعدما شعرت بألم حاد يقطع أحشاءها. انتفضت الوالدة واقفة وارتدت جلبابها ثم توجهت إلي معاتبة:
ـ ماذا تنتظر؟ هيا بنا توا إلى مستشفى الولادة...
كانت المسكينة تنتظر مثل هذه اللحظة بالذات، لحظة تحقيق حلم طالما راودها في أحلام نومها ويقظتها على السواء.
بعد لحظة وجيزة سمعت الباب يطرق، ولم يكن الطارق سوى جاري الذي بادرني قائلا:ـ
أسرع أرجوك... زوجتي تتوجع... لقد جاءها المخاض...
بدا لي الموقف سرياليا وأنا أرى امرأتين يأتيهما المخاض في لحظة واحدة وفي عمارة واحدة، وكأنهما كانتا بذلك على موعد مسبق.
قلت لزوجتي التي بدا لي أنها نسيت ألمها إلى حين بعدما انتابتها نوبة هستيرية من الضحك وهي تراني أجري في كل الاتجاهات:
ـ هذا مشهد لا يرى إلا في الأفلام الهندية...
في أقل من دقيقتين كنا جميعا في الخارج. ركب جاري بجواري مع ابنه ذي السنتين، وركبت زوجته في المقعد الخلفي محاطة بوالدتي عن يمينها وزوجتي عن يسارها، انطلقت بسيارتي كالقذيفة نحو مستشفى الولادة بحي الليمون وأمي تصرخ بي بكل رئتيها:
ـ وزطام أحمد زطام...
على مستوى ثانوية المؤرخ أحمد الناصري، سمعت صرخة صغيرة تنبعث من داخل السيارة وكأنها تأتي من قعر بئر...
التفت فإذا بأمي ذاهلة تهتف بي من جديد:
ـ وزطام أولدي زطام...
بينما زوجتي تحثني قائلة:
ـ توجه بنا توا إلى مستشفى مولاي عبد الله بسلا بدل حي الليمون بالرباط...
لما وصلت إلى المستشفى، خرجت أنا وجاري دفعة واحدة، وظل كل واحد منا ينظر إلى صاحبه كالمصعوق.
قال في جزع: هل مات؟ لم أعد أسمعه يصرخ...
قلت: من؟ قال: الوليد...
توجهت راكضا إلى قسم المستعجلات وناديت أول ممرضة صادفتها في طريقي، وكانت امرأة مفرطة في البدانة تمشي وأمواج شحمها ترتعد وكأنها تحت وقع زلزال خفي.
ـ أرجوك... علي بكرسي متحرك، لقد ولدت سيدة في سيارتي...
كنت أعتقد أن الدنيا ستقوم ولا تقعد لهذا الحدث، وأن كل من في المستشفى سوف يهرع إلينا لإسعاف المرأة، لكن شيئا من هذا لم يحدث، فرقعت الممرضة علكا كانت تلوكه في فمها وقالت بنظرة متعبة وكأن الأمر يتعلق بمجرد هرة:
ـ انتظر...
بعد مدة حسبناها دهرا، أدخلت السيدة أخيرا إلى مصلحة الولادة وانتظرنا نحن في غرفة اصطفت فيها أسرة للوالدات وبجنبها أسرة صغيرة للرضع.
جيء بالوليد قبل أمه ووضع في فراشه وهو في أبهى حلل الصحة والعافية، في هذه اللحظة، دخل علينا قط سمين، وتوجه صوبنا بعيون باردة متحدية، فصاح الجار مهددا:
ـ صب لمك ... صب
قلت ضاحكا:
ـ وما ذنب المسكين؟
قال جادا:
ـ لو ظفر بالرضيع لافترسه، عليه أن يبحث عن الفئران التي يعج بها المستشفى بدل الطمع في رضيع حديث الولادة...
ثم مال على أذني وهمس:
ـ أرجوك أن تسعفني بـ 100 درهم وأن تصرفها على أوراق من فئة عشرة وعشرين درهما، لا مناص يا أخي من تفريق "اللعاقة".
ثم سألني وأنا أهم بالانصراف:
ـ ماذا تنوي تسمية ابنك؟
قلت: ياسين
قال:
شكرا، سأسمي ابني ياسين كذلك...

إرسال تعليق

 
Top